مفهوم الخطابة
مفهوم الخطابة هو فن الإقناع والتأثير في الجمهور بالكلام أو الكتابة، وهو من أقدم الفنون الأدبية التي استخدمها الإنسان في حياته. وللخطابة خصائص مهمة تميزها عن غيرها من أنواع التعبير، ومنها:
- المشافهة: وهي أن تكون الخطابة عرضاً شفوياً أمام جمهور مستمع ومتفاعل، وليس كتابياً أو مسجلاً.
- الإقناع: وهو أن تحتوي الخطابة على أفكار وحجج وبراهين تثبت صحة ما يقوله الخطيب، وتدفع الجمهور إلى قبول رأيه أو عمل ما يريده.
- الاستمالة: وهي أن تلامس الخطابة مشاعر وانفعالات الجمهور، وتحرك فيهم المشاعر المطلوبة سواء كانت تحفيزية أو تشجيعية أو تحذيرية أو غير ذلك.
- التفاعل: وهو أن تكون الخطابة حوارية ومرنة، ولا تقتصر على نص جامد، بل تستجيب لردود فعل الجمهور، وتستخدم الأسئلة والأمثلة والقصص لزيادة التفاعل.
إذن، يمكن تلخيص مفهوم الخطابة بأنها فن مخاطبة الجماهير للتأثير عليهم واستمالتهم، وأن لها خصائص تجعلها فريدة من نوعها.
خصائص الخطابة
بعد أن تحدثت عن مفهوم الخطابة، سأتناول الآن بعض خصائصها التي تجعلها فناً رفيعاً ومهماً في حياة الإنسان. ومن هذه الخصائص:
- البلاغة: وهي أن تكون الخطابة مزينة بالأساليب اللغوية والبيانية التي تجذب انتباه الجمهور وتزيد من قوة الإقناع. ومن هذه الأساليب: الاستعارة، والتشبيه، والتعبير، والحسنى، والكناية، وغيرها.
- الموضوعية: وهي أن تكون الخطابة مرتبطة بالواقع والحقائق، ولا تحمل مغالطات أو أخطاء منطقية أو علمية. وأن تكون متسقة مع نفسها ومع المصادر التي تستشهد بها.
- الإبداع: وهو أن تكون الخطابة ذات طابع فريد ومميز، ولا تقلد أو تنسخ خطابات أخرى. وأن تحمل فكرة جديدة أو رؤية مختلفة أو حلول مبتكرة للمشكلات المطروحة.
- الإلهام: وهو أن تكون الخطابة مصدراً للتحفيز والتشجيع والإثارة للجمهور، وأن تؤثر في نفوسهم وعقولهم بشكل إيجابي. وأن تدفعهم إلى التغيير أو العمل أو المشاركة في قضية ما.
إذاً، يمكن القول إن خصائص الخطابة ترتبط بثلاثة عناصر رئيسية: الخطيب، والجمهور، والمضمون. فالخطيب يجب أن يكون متقناً لفن الإلقاء، وملماً بموضوع خطابته، وثقته بذاته. والجمهور يجب أن يكون مستعداً للاستماع، وفاعلاً في التفاعل، ومؤثراً في ردود الفعل. والمضمون يجب أن يكون محكماً في البناء، وجذاباً في الأسلوب، وقادراً على المشافهة.
نموذج من فن الخطابة
لتوضيح خصائص الخطابة بشكل أفضل، سأعرض عليكم نموذجاً من فن الخطابة . وهو خطاب الزعيم الهندي مهاتما غاندي في محكمة أحمد آباد عام 1922، حيث كان متهماً بالتحريض على العصيان المدني ضد الاستعمار البريطاني. وفي هذا الخطاب، استخدم غاندي أساليب بلاغية وإقناعية رائعة، وأظهر موضوعية وإبداعاً وإلهاماً في كلامه. وسأحلل لكم بعض المقاطع من هذا الخطاب:
- في بداية خطابه، قال غاندي: “أنا هنا للاستجواب، ولست هنا للاحتجاج، ولا لتبرير نفسي” . وبهذه الجملة، أظهر غاندي تواضعه وصدقه، وأنه لا يخشى المحاكمة، وأنه مستعد لتقبل الحكم مهما كان.
- ثم قال غاندي: “أنا هنا لأقول لكم بصراحة ما أؤمن به، ولأقول لكم ما فعلته، وما سأفعله” . وبهذه الجملة، أظهر غاندي شجاعته وثباته على مبادئه، وأنه لا يخفي شيئاً من أفكاره أو أفعاله، وأنه يتحمل المسؤولية عنها.
- ثم قال غاندي: “أنا لست بحال من الأحوال من أعداء الملك جورج الخامس، بل أحبُّ شخصيتَهُ. لكنَّي اعتبرُ نفسي جنديًّا في حربِ التحريرِ من سيطرةِ بريطانيا على الهند” . وبهذه الجملة، أظهر غاندي احترامه لشخص الملك، ولكن في نفس الوقت تبريره لقضيته الوطنية، وأنه يقاتل من أجل حرية شعبه، وليس من أجل كراهية شخص ما.
- ثم قال غاندي: “إذا كانت حرية شعبي تستوجب سجني، فإن سجني سيكون فخرًا لي. إذا كانت حرية شعبي تستوجب إعدامي، فإن إعدامي سيكون تضحيةً منِّي” . وبهذه الجملة، أظهر غاندي تفانيه وإخلاصه لقضية شعبه، وأنه مستعد للتضحية بحياته من أجل هذه القضية. وبذلك، أثار في نفوس المستمعين مشاعر التقدير والإعجاب به.
يُعد خطاب غاندي نموذجًا مشرفًا على فن الخطابة، ويحمل في طياته خصائص البلاغة والموضوعية والإبداع والإلهام، ويعكس شخصية الخطيب العظيم والقائد الحكيم. وأنصحكم بقراءة هذا الخطاب كاملاً، والاستفادة من دروسه وعبره .
تعليقات
إرسال تعليق