القائمة الرئيسية

الصفحات

مناسبة مرثية الرندي للأندلس 

مناسبة مرثية الرندي للأندلس هي سقوط المدن الأندلسية والتنازلات التي قدمها ملوك الطوائف وبنو الأحمر للصليبيين بقيادة ألفونسو السادس وألفونسو العاشر، مما أدى إلى ضعف وانهيار الحضارة الإسلامية في شبه الجزيرة الإيبيرية

الشاعر أبو الطيب صالح بن يزيد الرندي (الملقب بأبي البقاء الرندي) كان أميرًا وشاعرًا من الأندلس، ولد في رندة في عام 578 هـ/1182 م، وتوفي في غرناطة في عام 660 هـ/1262 م. كان شاعرًا بارزًا ومتعدد المواهب، وعُرف عنه عنايته بالعلوم الشرعية والأدبية، وكتابته في علم النصوص والفرائض والحديث والبلاغة

قصيدته في رثاء الأندلس هي قصيدة مؤثرة نابعة من حماسه الوطني والديني، فبكى ما ضاع من ديار قومه، وحرض على القتال والجهاد، واشتملت على وصف دقيق لتلك الحالة التي آل إليها حال المسلمين من ذل وخذلان وأسر. كما اشتملت على حكم وعبر وسرد قصصللأولين من المجدودين في سبيل الإسلام

قصيدته تبدأ ببيت شهير:

لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش انسان

وتستمر في خمسة أجزاء:

  • الجزء الأول: يتحدث عن فانية الملك وزوال كل شيء.
  • الجزء الثاني: يذكر أمثلة من التاريخ على مصير الملوك المغرورين.
  • الجزء الثالث: يرثي المدن الأندلسية التي سقطت أو تهددها السقوط.
  • الجزء الرابع: يستغاث بأهل المغرب لإغاثة إخوانهم في الأندلس.
  • الجزء الخامس: يصف معاناة المسلمين من ظلم وجور وإهانة.

السياق التاريخي لمرثية الرندي للأندلس

السياق التاريخي لمرثية الرندي للأندلس هو سياق مأساوييعكس حالة الضعف والانهيار التي عاشها المسلمون في شبه الجزيرة الإيبيرية في القرن السابع الهجري، والتي كانت نتيجة للفتن والحروب الأهلية والتنازلات والتحالفات مع الصليبيين، والذين استغلوا هذه الفرصة لتوسيع نفوذهم واستعادة ما خسروه من أراضٍ في حروب سابقة

ففي هذا القرن، شهدت الأندلس سقوط مدنها الكبرى ومعاقلها الحصينة أمام جيوش ألفونسو السادس (1072-1109) ملك قشتالة وليون، وألفونسو العاشر (1252-1284) ملك قشتالة وليون وغاليسيا، وخايمة الأول(1213-1276) ملك أراغون ومايوركا، وغيرهم من الملوك المسيحيين

من بين هذه المدن: قرطبة التي سقطت عام 1236، وإشبيلية التي سقطت عام 1248، ومرية التي سقطت عام 1489، وغرناطةالتي سقطت عام 1492، والتي كانت آخر معقل للحكم الإسلامي في الأندلس

وفي هذه الظروف المحزنة، كان أبو الطيب صالح بن يزيد الرندي(578-660 هـ/1182-1262 م) شاهدًا على تدهور حال المسلمين، ومشاركًا في دفاعهم عن بقايا أرضهم، فكان يشارك في الجهاد ضد الصليبيين، وكان يحضر المجالس العلمية والأدبية، وكان يؤثر في نفوس المستمعين بشعره المؤثر

ولعل أبرز شعره هو قصيدته في رثاء الأندلس، التي تُعد من أجمل نماذج الشعر الأندلسي، والتي تحمل في طياتها الحزن على ما فُقِدَ من دار إسلام، والحماسة لإعادة مجدها، والإستغاثةبإخوان المغرب لإغاثة إخوانهم في الأندلس

مضمون قصيدة الرندي في رثاء الأندلس 

مضمون قصيدة الرندي في رثاء الأندلس هو مضمون شعري يعبر عن الحسرة والأسى على ما آلت إليه حال الأندلس بعد أن كانت دار إسلام وحضارة وعلم، وينقل الصورة والصوت لما شهده الشاعر من مشاهد مؤلمة لسقوط المدن والقلاع والمساجد في أيدي الصليبيين، ويبث الروح والهمة في نفوس المسلمين للجهاد والدفاع عن أرضهم، ويستغيث بإخوانهم في المغربلإغاثتهم من الظلم والذل

تتكون قصيدة الرندي من ثمانية وثلاثين بيتًا، تبدأ ببيت مشهور يقول: “لكل شيء إذا ما تم نقصان”، وتنتهي ببيت يقول: “فلا تحسبن مصيبتك لم تُزَل”. وهي قصيدة نونية، أي أن كل بيت ينتهي بحرف النون، ما عدا بعض الأبيات التي تستخدم التقطيع أو التغاير لإبراز المعنى

تتضمن قصيدة الرندي أربعة محاور رئيسية، هي:

  • الحكمة والعظة: يبدأ الشاعر قصيدته بإظهار حكمة عامة في زوال كل شيء في هذه الدنيا، ولا يستثنى من ذلك أحد، وذلك لإعداد المستمع لفكرة رثاء الأندلس التي سقطت بعد أن كانت عزيزة.
  • الذكرى والتذكير: يستذكر الشاعر بعض المجد الذي كان للأندلس في الماضي، وبعض الملوك والقبائل الذين حكموها أو حاربوا من أجلها، وبعض المدائح التي قيلت فيها، ثم يسأل: “أين هم الآن؟”، لإظهار التغير الكبير الذي حصل في تاريخ الأندلس.
  • الرثاء والانتصار: يرثي الشاعر الأندلس بأسلوب شجي ومؤثر، ويرصد مشاهده التي تحز في النفس من سقوط المدن والقلاع والمساجد، وانقطاع الأذان والصلاة، وانتشار الصلبان والنواقيس، ويلوم المسلمين على تفرقهم وخذلانهم لديارهم.
  • الإستغاثة والإستنصار: يستغاث الشاعر بإخوان المغرب لإغاثة إخوانهم في الأندلس، ويرجوهم بالله وبالإسلام وبالأنساب أن ينصروهم ويقاتلوا معهم ضد العدو، ويحذرهم من مكر الصليبيين ومن مصير الأندلس إن لم يتدخلوا.

العاطفة في مرثية الرندي للأندلس

العاطفة في مرثية الرندي للأندلس هي العاطفة الوطنية والدينية التي تنبع من الحب والانتماء للأندلس وللإسلام، وتتجلى في الحزن والأسى على ما حل بها من ضياع وهوان، وفي الغضب والاستياء من ما اقترفه الصليبيون من جور وظلم، وفي اللوم والتوبيخ لما ارتكبه المسلمون من خذلان وتفرق، وفي الحماسة والشجاعة لما يتطلبه الوضع من جهاد ودفاع، وفي الرجاء والدعاءلما يمكن أن يحدث من إغاثة وانصار

يستخدم الشاعر في قصيدته أساليب شعرية مختلفة لإبراز عاطفته وإثارة عواطف المستمعين، مثل:

  • التشبيه: يشبه الشاعر الأندلس بالزهرة التي ذبلت أو بالقمر الذي اختفى أو بالجوهرة التي سُلِبَت، لإظهار جمالها وقيمتها.
  • التساؤل: يسأل الشاعر عن مصير الملوك والأبطال الذين حكموا الأندلس أو حاربوا في سبيلها، لإظهار التغير الذي حصل في تاريخها.
  • التصوير: يصور الشاعر مشاهد مؤثرة لسقوط المدن والقلاع والمساجد، وانقطاع الأذان والصلاة، وانتشار الصلبان والنواقيس، لإظهار المصيبة التي أصابت الأندلس.
  • الإستغاثة: يستغاث الشاعر بإخوان المغرب لإغاثة إخوانهم في الأندلس، ويرجوهم بالله وبالإسلام وبالأنساب أن ينصروهم ويقاتلوا معهم ضد العدو، لإظهار الروح الإسلامية التي تجمع المسلمين.
  • الحكمة: يستشهد الشاعر بحكم عامة في زوال كل شيء في هذه الدنيا، ولا يستثنى من ذلك أحد، لإظهار أن مصير كل مخلوق هو الموت.

أبيات قصيدة الرندي في رثاء الأندلس 

أبيات قصيدة الرندي في رثاء الأندلس هي من أجمل وأشهر القصائد الأندلسية التي تعبر عن المشاعر المتضاربة بين الفخر والحزن والغضب والحماسة والرجاء، وتتميز بالجزالة والبلاغة والعمقفي استخدام الأساليب الشعرية المختلفة، مثل التشبيه والتساؤل والتصوير والاستغاثة والحكمة

تتكون قصيدة الرندي من ثلاثة وثلاثين بيتاً، تبدأ بمقدمة تحوي حكمة عامة في زوال كل شيء في هذه الدنيا، ثم تنتقل إلى موضوع القصيدة وهو رثاء الأندلس، وتذكر المدن والقلاع التي سقطت في يد الصليبيين، وتصف المصائب التي أصابت المسلمين من انقطاع الأذان وانتشار الصلبان، وتستغاث بإخوان المغرب لإغاثة إخوانهم في الأندلس، وتختم بحثاً عن نبأ أهل الأندلس

من أشهر أبيات قصيدة الرندي في رثاء الأندلس هذه الأبيات:

  • لِكُلِّ شَـيءٍ إِذا مَـا تَمَّ نُقْصَانُ *** فَلا يُـغَرُّ بِطَيْبِ العَيْشِ إِنْسَانُ
  • هِـيَ الأُمُـورُ كَما شاهَدْتُها دُوَلٌ *** مَـن سَـرَّهُ زَمَـن سَـاءَتْهُ أَزْمَانُ
  • دارَ الزَّمانُ على دارٍ وقاتِلِهِ *** وأمّ كِسْرى فما آواهُ إِيوانُ
  • فجائِعُ الدُّهْرِ أَنْواعٌ مُـنَوَّعَةٌ *** ولِلزَّمانِ مَـسْراتٌ وأحْزانُ
  • يا غافِلاً وله في الدهر موعظة *** إِن كُـنْتَ في سَـنة فالدهر يقظان
  • يا راكِبِيْن عِتاق الخيل ضامرة *** كأنها في مجال السبق عقبان
  • يا أيها الملك البيضاء راية *** أدرك بسيفك أهل الكفر لا كانوا

تعليقات