سبب قيام الغزوة
غزوة مؤتة هي إحدى المعارك العظيمة التي خاضها المسلمون في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ضد الروم وحلفائهم من العرب النصارى. سبب قيام هذه الغزوة هو أن أحد رسل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الحارث بن عمير الأزدي، قُتِل بطريقة ظالمة من قبل شرحبيل بن عمرو الغساني، وهو حاكم تابع للروم في بلاد الشام. فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينتقم لرسوله وأن يظهر قوة المسلمين وهيبتهم أمام الروم والعرب
فجهز النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً من ثلاثة آلاف مقاتل، وأمر على هذا الجيش زيد بن حارثة، وقال له: إذا قُتِلَ فجعفر بن أبي طالب، وإذا قُتِلَ فعبد الله بن رواحة، ثم خرج الجيش إلى مؤتة، وهي قرية في جنوب بلاد الشام
ولكن المسلمون تفاجؤوا بأن جيش الروم كان كثيراً جداً، فقد كان مئتي ألف مقاتل، أي أكثر من ستين ضعفاً من جيش المسلمين. فكانت معركة شديدة وصعبة، لكن المسلمون كانوا شجعاناً وصابرين، وقاتلوا بكل إيمان وإخلاص
فقُتِلَ زيد بن حارثة رضي الله عنه، فحمَّل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه الراية، فقُتِلَ أيضاً، فحَّمَّل عبد الله بن رواحة رضي الله عنه الراية، فقُتتْلاً. فأخذ خالد بن الوليد رضي الله عنه قائد جديد لجيش المسلمون، فأظظار قوة المسلمون وأخاف جيش الروم، ثم انسحب خالد بن الوليد رضي الله عنه بحكمة ودهاء، وعاد إلى المدينة بسلام
هذه هي قصة غزوة مؤتة بإختصار، وهي قصة عظيمة تحمل الكثير من الدروس والعبر لنا. من هذه الدروس:
- أن المسلمين يجب أن يكونوا شجعاناً ومجاهدين في سبيل الله، وأن لا يخافوا من عدة الأعداء أو قوتهم، بل يثقوا بالله ويستعينوا به.
- أن المسلمين يجب أن يكونوا متحدين ومتعاونين في وجه الأعداء، وأن لا يتفرقوا أو يختلفوا، بل يطيعوا قائدهم ويساندوه.
- أن المسلمين يجب أن يكونوا حكماء وذكياء في التخطيط والتنفيذ، وأن لا يتسرعوا أو يتهوروا، بل يستخدموا كل الوسائل المشروعة للحفاظ على أرواحهم وأموالهم.
- أن المسلمين يجب أن يكونوا مؤمنين بقضاء الله وقدره، وأن لا يحزنوا على ما فاتهم أو فقدوه، بل يرضوا بما كتب الله لهم، ويستبشروا بالثواب والجزاء.
- عندما وصل جيش المسلمون إلى مؤتة، وجدوا أن جيش الروم كان مرتباً في ثلاثة صفوف، وكان كل صف يحمل لوناً مختلفاً. فكان الصف الأول يحمل اللون الأحمر، والصف الثاني يحمل اللون الأبيض، والصف الثالث يحمل اللون الأسود. وكان هذا يعني أن الروم كانوا مستعدين للقتال بشراسة وعزم.
- فقام زيد بن حارثة رضي الله عنه بترتيب جيش المسلمون في صف واحد، وأخذ الراية بيده، وقال لهم: “إن هذه الراية لا تسقط إلا بالشهادة”. ثم دعاهم إلى الصبر والثبات، وقال: “إن الله معنا، وإنه سيرزقنا من فضله”. ثم هتف بالتكبير، وهجم على جيش الروم بكل شجاعة.
- فاندفع جيش المسلمون خلف زيد بن حارثة رضي الله عنه، وقاتلوا بكل بسالة، وأصابوا جيش الروم بخسائر كبيرة. لكن جيش الروم كان كثيراً جداً، فحاصروا جيش المسلمون من كل جانب، وأطلقوا عليهم سهامهم وحجارتهم. فقُتتْلاً زيد بن حارثة رضي الله عنه شهيداً، وسقطت من يده الراية.
- فرأى جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه أن زيد بن حارثة رضي الله عنه فقُتتْلاً، فأسرع إلى أخذ الراية من يده، وقال: “إلى الجنة يا زيد”. ثم قام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه بحث عن مكان يستطيع فيه أن يقاتل من دون أن يُحظار قوة المسلمون. فوجد مكاناً في أحد المزارع، فدخل فيه مع مجموعة من المسلمون، وقاتل من هناك بكل شجاعة.
- فأصاب جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه جرح في يده اليُسْرى، فأمسك الراية بيده اليُمْنى. ثم أصابه جرح في يده اليُمْنى، فأمسك الراية بذراعيه. ثم أصابه جرح في ذراعيه، فألصق الراية بصدره. ثم أصابه جرح في صدره، فسقط شهيداً، وسقطت معه الراية.
- فرأى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه فقُتتْلاً، فأسرع إلى أخذ الراية من صدره، وقال: “إلى الجنة يا جعفر”. ثم قام عبد الله بن رواحة رضي الله عنه بحث عن مكان يستطيع فيه أن يقاتل من دون أن يُحظار قوة المسلمون. فوجد مكاناً في أحد الجبال، فصعد إليه مع مجموعة من المسلمون، وقاتل من هناك بكل شجاعة.
- فأصاب عبد الله بن رواحة رضي الله عنه جرح في رجله، فسقط على ركبتيه. ثم أصابه جرح في رقبته، فسقط على وجهه. ثم أصابه جرح في قلبه، فسقط شهيداً، وسقطت معه الراية.
- فرأى خالد بن الوليد رضي الله عنه أن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه فقُتتْلاً ، فأسرع إلى أخذ الراية من يده، وقال: “إلى الجنة يا عبد الله”. ثم قام خالد بن الوليد رضي الله عنه بإعادة تنظيم جيش المسلمون، وأخذ يستخدم حيلة وخدعة لإخافة جيش الروم. فكان يغير مكان قتاله كل حين، ويغير لون ثياب المسلمون كل حين، ويغير صوت التكبير كل حين.
- فظن جيش الروم أن جيش المسلمون كثير وقوي، وأصابتهم الفزع والخوف. فبدأوا يتراجعون ويفرون من المعركة. فانتظم خالد بن الوليد رضي الله عنه مع جيش المسلمون، وانسحب من المعركة بحكمة ودهاء. ثم عاد إلى المدينة بسلام، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما حصل في غزوة مؤتة.
الدروس والعبر المستفادة من غزوة مؤتة
بعد أن عرفت الأحداث التي حصلت في غزوة مؤتة، دعني أخبرك عن الدروس والعبر المستفادة من هذه الغزوة العظيمة.
- من الدروس المستفادة من غزوة مؤتة أن المسلمين يجب أن يكونوا شجعاناً ومجاهدين في سبيل الله، وأن لا يخافوا من عدة الأعداء أو قوتهم، بل يثقوا بالله ويستعينوا به. فقد رأينا كيف قاتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم بكل إيمان وإخلاص، وكيف استشهدوا في سبيل الله، وكيف أثنى النبي صلى الله عليه وسلم عليهم وقال: “إن زيد اقتتل حتى فقُتتْلاً، فجعفر اقتتل حتى فقُتتْلاً، فعبد الله اقتتل حتى فقُتتْلاً، فأخذ خالد بن الوليد رضي الله عنه سيف من سيوف الله فقاتل به” .
- من الدروس المستفادة من غزوة مؤتة أن المسلمين يجب أن يكونوا متحدين ومتعاونين في وجه الأعداء، وأن لا يتفرقوا أو يختلفوا، بل يطيعوا قائدهم ويساندوه. فقد رأينا كيف كان جيش المسلمون كالجسد الواحد، وكيف كان كل مقاتل يحمل مسؤولية نصرة دينه، وكيف كان كل مقاتل يحرص على أخذ الراية إذا سقط صاحبها، وكيف كان كل مقاتل يطيع خالد بن الوليد رضي الله عنه حين تولى قيادة الجيش .
- من الدروس المستفادة من غزوة مؤتة أن المسلمين يجب أن يكونوا حكماء وذكياء في التخطيط والتنفيذ، وأن لا يتسرعوا أو يتهوروا، بل يستخدموا كل الوسائل المشروعة للحفاظ على أرواحهم وأموالهم. فقد رأينا كيف استخدم خالد بن الوليد رضي الله عنه حيلة وخدعة لإخافة جيش الروم، وكيف اختار مكان قتاله بحسب المصلحة، وكيف انسحب من المعركة بحكمة ودهاء، وكيف عاد إلى المدينة بسلام .
- من الدروس المستفادة من غزوة مؤتة أن المسلمين يجب أن يكونوا مؤمنين بقضاء الله وقدره، وأن لا يحزنوا على ما فاتهم أو فقدوه، بل يرضوا بما كتب الله لهم، ويستبشروا بالثواب والجزاء. فقد رأينا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتابع أحداث غزوة مؤتة بالوحي، وكيف كان يبشر المسلمين بأن زيد وجعفر وعبد الله رضي الله عنهم قد دخلوا الجنة، وكيف كان يقول: “لا تسبوا خالداً، فإنه قد جاهد في سبيل الله” .
تعليقات
إرسال تعليق